مقدمة
عند تأمل حال الدنيا هذه الأيام، فإننا نلاحظ بلا شك حجم التغيُرات الجذرية والمتسارعة من حولنا. فكم شريفًا في قومه قد أضحى أسفل السافلين، وكم أصبح أصحاب الجاه غير ذي جاه وكم من دول انتهت وكم من ثورات قد قامت. حتى أن الأرض التي نسكنها تغيرت من حال الى حال.
من كان يتخيل مثلًا أن معمر القذافي وصدّام حسين وغيرهم والذين كانوا طوال عقود أصحاب مكانة وهالة ليخرج الأخير من جحر، ويُصور القذّافي تلفزيونيًا بأبشع حالة قد يتخيلها إنسان لعدوه.
إن تسارع الأحداث وحجم التغيُرات هائل ومثير للدهشة. هذ التغيرات الجذرية امتدت لجميع المجالات وشملت بطبيعة الحال الاقتصاد، والسياسة بل وحتى المناخ. تغيُر الأحداث أصبح مثل تساقط حبيبات اللؤلؤ من عقد متسارعة عندما يقطع، وهي أحد علامات قرب نهاية العالم من وجهة نظر الأديان السماوية.
أتابع منذ العام ١٩٩٠م مجموعة من القراءات، يرتبط بعضها بتحليلات منطقية وبعضها باستشرافات مجردة، أهمها على الإطلاق (لُبْ موضوعي اليوم) وهو: زوال الكيان الصهيوني. كان أحد المخرجات من هذا التحليل هو عامل الوقت؛ الذي قادني للاعتقاد في حينه أن توقيت هذه الأيام كان كافيًا لتحقُق زوال دولة الكيان المحتل.
معضلتي الكُبرى مع هذا التحليل -بعيدًا عن العاطفة- أنني لم أرى أي مؤشرات مبشرة على أرض الواقع لذلك، بل على العكس، أصبح الكيان الصهيوني في قمة مجده وإنجازه، بل هو اليوم يلعب دوراً محورياً في المنطقة. الا أن الوجه الفلسفي الآخر لهذه الزاوية أن سُنّة الحياة أثبتت تاريخيًا بأن ما يلحق القمة؛ دائمًا ما يكون السقوط الى القاع.
ويجدر الإشارة هنا أن التاريخ يظهر أن التحولات الكونية لا تأتي بشكل مباشر أو بمعادلة خطية المستقيم، ولا تأتي في غاية الترتيب وحسبما يتوقع الناس. تأتي التحولات والتقلبّات الجذرية بسرعة وفجأة في صيغة معادلة المُنحنى دون إمكانية تقديرها مسبقاً. بل أن هذا النوع من التحولات أصبح يؤخذ بعين الاعتبار كأحد المخاطر المحتملة في الاقتصاد المعاصر، أو ما يُسمى «المخاطر المُذيلة» (Tail Risk) والتي تتلخص حسب تعريف (Investopedia) بأنها: «المخاطر المبنية على أحداث نادرة الحدوث»[1]. وكثيرٌ مما نراه اليوم كان في وقتٍ سابق «أحداث نادرة الحدوث».
أحاول عبر هذه المقالة اليوم أن أُلفِت النظر بأن بداية نهاية دولة صهيون قادمة لا محالة، وعما قريب بإذن الله وقبل نهاية العام 2022م. وستكون نتيجة حتمية للمتغيرات التي تجري في العالم عموما وفي الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل الخصوص. إنني على شبه يقين أن نهاية النظام الأمريكي سياسيًا بالشكل الذي اعتدنا وجوده في حياتنا والصورة التي عرفناها عنه قادمة بإذن الله قبل حلول العام ٢٠٢٢م.
ورأيي هنا في الحقيقة يتقاطع مع آراء الكثير من الاقتصاديين الذين يتوقعون حالة تصحيح اقتصادية جذرية متوقعة في العامين القادمين، إلا أن اختلافي في هذه الرؤية ينحصر بتوقعي بأن التغيير سيكون سياسيًا بالدرجة الأولى الأمر الذي سينعكس على حال الاقتصاد المحلي للوليات المتحدة والعالمي ايضاً.
أصبحت تتشكل في ذهني قناعة (اقتربت من اليقين) بأن الانتخابات الأمريكية القادمة لن تحصُل بالسيناريو التقليدي المعروفة به، وإن حصلت فستصحبها موجات عنيفة من الاضطراب الشعبي والصراع السياسي، والأدلة كثيرة على هذا الأمر، وربما تنتهي بنزاعات أو حرب أهلية هناك.
غردت بتاريخ ٢٤ يوليو ٢٠١٩م، عن استشراف ظهور ملامح لحرب أهلية في الولايات المتحدة مصاحبة للانتخابات القادمة حيث قلت: «لنفكر خارج الإطار.. هل تتوقع ان الانتخابات الامريكية القادمة لن تمر على خير؟! وهل تتوقع الامر يصل الى حد اشتعال اضطرابات شعبية قد تصل الى كتابة الحروف الاولى لحرب اهلية هناك؟! شخصيا، ومنذ سنين وانا اعتقد ان بداية نظام عالمي جديد سيكون بإذن الله بدايته من العام 2022..». ليقوم الرئيس «ترمب» في وقتٍ لاحق بتصريح خطير على تويتر بتاريخ ٢٩ سبتمبر ٢٠١٩م كان نصه: «… إذا نجح الديمقراطيون في إقالة الرئيس من منصبه (وهو ما لن يكونوا عليه أبداً)، فسوف يتسبب ذلك في حرب أهلية تتسبب في كسر هذه الدولة كسرًا لن تشفى منها بلدنا. القس روبرت جيفريس. فوكس نيوز».
ولكن ما علاقة كل هذا في دولة صهيون؟ استذكر محادثة قديمة في هذا الشأن مع أحد المطلعين على الشأن الأمريكي مطلع الألفية الماضية، وقد دار بيني وبينه حوار مفاده أنه مع اقتراب العام ٢٠٢٢م ستصبح القوة الانتخابية للأمريكيين ذوي الأصول اللاتينية والأفريقية والآسيوية أقوى من القوة الانتخابية لذوي العرق الأبيض، كما أن أمريكا في ذلك الوقت ستصبح مجتمعاً متعدد الثقافات بما تعنيه الكلمة. وكان سؤالي حينها يدور حول إن كان هذا الأمر يُشكل خطرًا على نظام الولايات المتحدة أم لا، إلا أنني تفاجأت برده من زاوية مختلفة تماماً، حينما قال إن هذا الأمر قد يشكل خطرًا حقيقيًا على إسرائيل، لأن العروق الملونة في الولايات المتحدة (خصوصًا الشابة منها) لا ترتبط عاطفيًا بأي شكل من الأشكال مع دولة إسرائيل، أو الفكر الصهيوني، عكس مبادئ ومنهجية المسيحية المتصهينة. ان أحد أفضل الأمثلة التي نراها اليوم عن تقدم الأمريكيين ذو الأصول المختلفة هو انتخاب إلهان عمر من أصول صومالية وكذلك رشيدة طليب ذات الأصول الفلسطينية وانتخاب كمالا هاريس ذات الأصول اللاتينية كممثلين عن دائرتهم لمجلس الشيوخ (Congress).
الأخ الأكبر والاستعداد للعام 2022م
رد فعل القوى الصهيونية على التغيرات التي أشار اليها ذلك الرجل المطلع أعلاه هي لب القصيد.
كعادتها، كانت الألة الصهيونية تعي المخاطر الناتجة عن تغيير خريطة القوة الانتخابية للمجتمع الأمريكي وكذلك أثر تعدد الثقافات المصاحبة لهذا التغيير. الصهيونية العالمية تستعد من ذلك الوقت الى إعادة عقارب الساعة والحفاظ على مراكز قوتها داخل دهاليز السياسة الأمريكية واقتصاده.
ولكن كيف؟ ببساطة تسعى الآلة الصهيونية الى تأجيج الشارع الأمريكي عبر احياء أمجاد الرجل الأبيض واشعال فتيل الفتنة بين جوانب مكوناته وتهويل خطورة استمرار بناء مجتمع متعدد الثقافات ودعوته الى العودة الى مجتمع تتسلط فيه ثقافة الرجل الأبيض على مفاصل الدولة، مع ما يأتي مع ذلك من الاستمرار في الدفاع عن مصالح إسرائيل / الصهيونية العالمية وكأنه أمر مسلم به.
والشواهد كثير. عند متابعتي للأحداث في العقد الأخير وصولًا إلى فترة الرئيس الحالي «دونالد ترمپ» وجدت أن الإعلام قد انحرف حاله بشكٍل فاضح إلى إثارة الرجل الأبيض ضد غيره من العروق الأخرى في الولايات المتحدة، ونجد مثلاً أن أحد أهم القنوات التي تبنّت هذا المنهج وهي القناة الإخبارية المعروفة «فوكس نيوز» والتي صرفت جهودًا واضحة في إخراج موادًا إعلامية في غاية الخطورة تستهدف إثارة الرجل الأبيض والدفع به للمطالبة بإعادة مجده وسيطرته على مجرى الأحداث في أمريكا ضد غيره من الأعراق. وقد وصل هذا الأمر لمرحلة جعلت بعض البرامج التلفزيونية على «نيتفليكس» و«شوتايم» وغيرها تستعرض مفهوم «استقطاب وتحيز المشاهدين» (Polarizing the viewer) والتي تُبين أن هناك أجندة سياسية واضحة تحاول إقناع المشاهد بأن ما يراه واقعيًا مئة في المئة في حقيقة الأمر ليس واقعًا، بل أن إحدى الصفات السائدة في الإعلام الأمريكي هي التضليل المستمر للمتابعين[2] من أجل تحقيق أجندة خاصة تتناسب طرديًا مع السياسة التي تحقق توجه الأخ الأكبر.
وقد شهدت الولايات المتحدة مؤخرًا تطورات إلى مستويات غير مسبوقة وللمرة الأولى تاريخيًا في تضليل الناخبين/الأفراد الأمريكيين من خلال تحليل واستغلال بيانات تفاعلاتهم في جميع شؤون حياتهم و استخدامهم لتطبيقات هواتفهم الذكية (فيسبوك، انستجرام، تويتر، خرائط جوجل، وغيرها). و الشركة الأشهر التي برعت في هذا التضليل «كيمبريدج آنالاتيكا» والتي تم تصفيتها في الأول من مايو عام ٢٠١٨م، بعد عِدة مناورات غير مشروعة قانونيًا في استخدامٍ غير أخلاقي للبيانات المأخوذة من موقع «فيسبوك»، والتي كان لها دورًا رئيسيًا في فوز الرئيس الأمريكي المنتخب «دونالد ترمب»[3] عام ٢٠١٦م، ليصاحبها في وقتٍ لاحق الاستجواب الشهير للرئيس التنفيذي للفيسبوك «مارك زاكربيرج» حول هذا الأمر.
إن النظام الصهيوني العالمي يسعى بكل قوة الى اثارة الفوضى في الولايات المتحدة الأمريكية وصولاً الى نظام جديد يحمي مصالحهما. هذا الامر يؤكده تحركات أصحاب المجموعات الإعلامية الكبرى، وهم في مجملهم من الصهاينة المخلصين، الذين يسعون الى اشعال النار على جانبي المجتمع الأمريكي. وقد نجحت تلك الآلة نجاحاً باهراً، وان كان مؤقتاً.
ان أحد أهم عوامل مراقبة حال الديموقراطية في العالم هي مراقبة نسب التصويت عبر صناديق الاقتراع، وكذلك مستوى الاستقطاب بين اطراف المجتمع. وكلما كان الفرق بين الموافقين لمقترح ما والمعارضين له كبير، كلما كان الاستقطاب محدودا، وبالتالي كان الوضع الديموقراطي قوي في تلك الدولة وكانت، نتيجة لذلك، مستقرة سياسياً واجتماعياً، والعكس صحيح. ويمكننا بكل يسر أن نلاحظ اليوم في الولايات المتحدة الأمريكية بزوغ عوامل أدت وتؤدي إلى استقطاب شديد وواضح داخل المجتمع. حيث أن نسبة الفارق ما بين المعارضين لطرح ما والداعمين له في مجمل الأحداث فارق بسيط للغاية. وقد بدأت هذه الاحداث تظهر على العلن في نتائج الانتخابات الأمريكية منذ عام 2000م، والتي كان الفرق فيها بين آلجور وبوش الأبن لا يتعدى 1800 صوت، وكانت من أهم الأزمات الدستورية في القرن الجديد. هذه الأحداث التي كانت على مستوى اختيار الرئيس الآن وصلت الى اختيار المرشحين على المدن وحتى المقاطعات داخل المدن، وهذه العلامات لها دلائل كبرى وهي ان الديموقراطية هناك تعاني عدم وجود رأي موحد للمجتمع بل أن المجتمع منقسم وفي حالة استقطاب “polarized” شديد.
انهيار النظام الأمريكي سياسيًا:
إن ما أراه اليوم هو استشراف لانهيار النظام الأمريكي السياسي على يد الرجل الأبيض، ممثلًة في الرئيس الأمريكي الحالي «دونالد ترمب». وكلما اقتربنا من الانتخابات الرآسية الأمريكية القادمة سنقترب من أزمة دستورية ستؤدي الى دخول أمريكا عصراً من الاضطرابات لا نراه الا في جمهوريات الموز، هذه الأحداث ستستهلك الولايات المتحدة الأمريكية وتخرجها من القدرة على السيطرة أو توجيه الأوضاع الجيوسياسية وسينتج عنها نظاماً سياسيا واقتصادياً جديد الخاسر الأكبر فيه إسرائيل والصهيونية العالمية، وهو عكس ما تهدف له الصهيونية العالمية وتسعى اليه.
إن سعي تلك القوة الصهيونية سيؤدي بلا شك إلى تغيير قواعد اللعبة السياسية، الى انها في المحصل ستؤدي الى تقهقر واضح للمصالح الصهيونية لأن التغيير سينجم عنه خلل كبير في آلية الاستقرار السياسي. وهنا سنشاهد ظهور ولايات متحدة ضعيفة ومهزوزة سياسيًا مع نهاية العام ٢٠٢٢م قد تستمر بهذا الوضع لسنوات. وأرى في الأفق أن هذه التحولات المرتقبة ستساهم بشكل ومباشر في النهاية الى زوال الكيان الصهيوني.
ففي ظل وجود النار المدفونة تحت رماد عنصرية الرئيس الأمريكي والعرق الأبيض، قد تظهر على السطح احتجاجات الأعراق الأخرى غير العرق الأبيض التي لا تأبه بالكيان الصهيوني، وهنا ستتشكل المشكلة والصراع السياسي بين العرقين، ولن تكف هذه الصراعات لصالح من اشعلها.
وأخشى أن هذا الأمر قد يؤثر بشكل واضح على إضعاف الدولار والاستثمارات في الولايات المتحدة والكثير من التأثيرات الأخرى المصاحبة، على رأسها التأثر الاقتصادي.
رؤيتي تتلخص بأنه مع الوصول إلى نهاية عام ٢٠٢٢م وفي أحسن الظروف إن لم تواجه الولايات المتحدة حرب أهلية، فستواجه شللًا سياسي قد يطول لسنوات بسبب توتر الانتخابات الرئاسية عام ٢٠٢٠م، والذي سيشغلها عن باقي العالم، وسيشغلها بالتحديد عن الدفاع عن الدولة الصهيونية، وبالتالي سوف لن يكون هناك أي داعم حقيقي لها، لتتأثر بقواعد لعبة جديدة في منطقة مليئة بالأعداء.
ولنتذكر.. بأن التغييرات الكونية تأتي فجأة، ودون مقدمات.
[1] Tail Risk, by Adam Hayes, Investopedia.com, Updated 24 July 2019
[2] Further Reading: Seriously, You—Ok, We—Need To Stop Watching The News This Year, by Ryan Holiday, Jan 1, 2018
[3] Factbox: Who is Cambridge Analytica and what did it do? By David Ingram, 19 March 2018, Reuters